ثناء الناس عليه

مما يفرح به النّاس الثناء الحسن، وأصدق الثناء ما كان بعد موت الإنسان، وقد صحّ في الحديث أنّ الصحابة مرّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وجبت)، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرّا، فقال: (وجبت)، فقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً، فوجبت له النار، أنتم ‌شهداءُ ‌الله ‌في الأرض)، وقد حاولت استجلاء مشاعر بعض أصدقاء ومحبّي جمعان رحمه الله، فكانت كلمتهم واحدة في الثناء العاطر عليه وذكر مآثره، وسوف أوردها هنا ليطّلع القارئ عليها وأعتذر لكل من رغب في ارسال كلمته ولم يُسعفني الوقت لكثرة محبيه رحمه الله:

مقالة: محمد بن ناصر بن لبدة، وكيل إمارة منطقة عسير سابقاً ووكيل أمارة منطقة الجوف حالياً.

الحقيقة عندما أتذكر أبو على جمعان الغامدي أتذكر مجموعه من أهل الخير ومن أهل الوقار ومن أهل الصدق ومن أهل العطاء ومن أهل الكرم، أتذكر هذا الرجل العظيم الذي شمل فضله الكثير من الناس دون أن يعلم به أحد إلا الله سبحانه وتعالي وهذه خبيئة دائما يعمل عليها أبو على بينه وبين ربه، أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته، عرفناه الأخ وعرفناه الصديق وعرفناه الابن للكبير وعرفنا الأب للصغير وعرفناه حاني القلب عرفناه صادق الوعد عرفناه وافي الوعد، أبو على كان مجموعة إنسان عظيم تقي وفيّ، يخاف الله سبحانه وتعالي في السر والعلن، رجل مبتسم رجل محب للخير وجه متسامح، من أجمل صفات أبي علي أنه يتغاضى عن كل خطيئة تأتيه من عدو أو صديق من محب أو كاره، ويدمح الزلة ويتجاوز، ورأيت الكثير من مواقف أبي على في كثير من مشاركاته لبعض الناس أنه يتغاضي ويتنازل من أجل أن يستفيد الآخر، وهذه في الحقيقة خبيئة وصفه لايعرفها إلا من يعيشها ويلمسها في واقع أبي على الذي عرفنا فيه التواضع الجم التواضع الذي ينزلك منزلة راعي البيت أو منزلة صاحب الحق، أسأل الله أن يرحمه ويرفع درجته.

 مقالة: -اللواء ركن -م- عبدالكريم بن سعيد حافظ: قائد حرس الحدود سابقاً بجازان.

الصديق الوفي الحميم -تعرفت على أخي الغالي جمعان مزهر بداية من عام 1415 هجري واستمرت صداقتنا قرابة سبع وعشرين عاماً لم نفترق مرة لشهر دون أن نلتقي، ناهيك عن تجمعنا شبه اليومي عندما كنت أعيش في جازان ولأن أباعلي جامعة متحركة منهجها علوم الحياة وتجاربها- فكنا نتوق لحديثه لنستفيد من تجاربه وكان قليل الحديث ويميزه صمته وابتسامة تعلو محياه إذا تحدث وإذا سُئل أجاب على قدر السؤال لايذكر أحداً إلا بخير ويتجنب ذكر عيوب الآخرين -مجلسه لايُمل وصداقته ود ومحبه -لايخالطها طمع أو استغلال -يعطي في الخير بغير حساب وإذا طُلب منه مساهمة في عمل خير يفرح بذلك ويبذل بسخاء بعد أن يتضح له مشروعية العمل الخيري ونظاميته -لايتسرع في أي أمر يعرض عليه ويعطي المشورة بإخلاص ولايخدع ولايغدر يتسم بالصدق والوفاء مع كل من تعامل معه -ويفضل الصلح مع الخصوم وإن كلفه ذلك من ماله الخاص -لايحمل الحقد ولا العداوة حتى مع من تعامل معه بسوء أوغدر به -كان محباً للخير لمن يعرف ولمن لايعرف -ويسعى لهم ليرزقوا -ولايأخذ على ذلك شئ -سوى أنه يستمتع أن يراك ربحت مالا وتحسنت أحوالك -كأن السرور الذي يرسمه في قلوب الآخرين يجلب له سعادة وانشراحا -وهذا ما أتوقعه وأجزم به -كريم بغير رياء ولافخر -حصيف برأيه ومشورته -ما استشاره أحد وندم ولاشاركه أحد وخسر -سمحٌ إذا باع سمح إذا شرى -وفيٌ إذا وعد سخيٌ إذا أعطى صبورٌ في الازمات حكيم في التصرفات قوي إذا احتاج الأمر ذلك -لم أصادق مثله -ولم أصاحب أحداً في دماثة خلقه وعلو أدبه وحسن تواضعه -لايسعني الحديث أن أوفي أخي جمعان حقه -ولم أذكر مواقفه الأخوية معي فهي تفوق الحصر سأجزيه باستمرار بالدعاء له. وكان فقدي له كفقدي لوالدي وإخواني رحمه الله وأسكنه فسيح جناته -اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك وأمواتنا وأموات المسلمين أجمعين .

مقالة الدكتور عبدالرحيم آل حافظ، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن:

عندما نقرأ التاريخ ونسبر سيِر العظماء على مر العصور مع اختلاف الأعراق والأقطار والأديان.. قد يتبادر إلى الأذهان أن هناك بعض المبالغة في وصف هؤلاء الرجال.. وأن ماورد في وصف هؤلاء العظماء قد شابه شيء من الإطراء لصعوبة تخيل هذه العظمة.. وإن قبلنا ماقيل في سير هؤلاء العظماء فقد نقول هذه العظمة قد جاءت في الزمان الماضي ولانظير لها اليوم.. ولكن نقول كما قيل “لكل زمان دولة ورجال”.. ولحسن الحظ أن الله من علينا أن نرى ونعيش هذه العظمة بكل أبعادها.. وكلما زادت عظمة الرجال كلما صعب علينا سبر أغوارها للإحاطة بجوانبها.. نعم إنها لحظة عظمة تاريخية عشتها ولمستها وأدركتها.. وربما لو رويت لي لأعتقدت صعوبة وجودها في دنيا الناس.. خصوصا في هذه الفترة العصيبة من حياتنا ونحن نرى المبادئ تتهاوى حصونها أمام الملذات والأطماع.. نعم إنها حقيقة العظمة التي تجلت بكل وضوح مع كل من عاشر هذا الرجل العظيم من جميع فئات المجتمع من أمراء ووجهاء وأغنياء وفقراء وعمال ورفقاء.. كان لدي إحساس غريب بقربه للنفس واستعداده الدائم للتضحية بكل مايستطيع.. قمة في الثراء وقامة في العطاء وندرة في التواضع… زرته عدة مرات في جازان.. وكان يمشي كالملك يهتف الناس باسمه حيث.. ويقضي حاجة الناس والإبتسامة لا تفارق محياه .. الجميع يهتف باسمه.. “أبو علي”.. وقد أخذ نصيبه الأوفر من هذا الإسم.. ومن عليائه.. بكل ماتعنيه هذه الكلمة… من شدة تواضعه رفعه الله.. وكان مثالا فيه.. وتحقق فيه قوله عليه الصلاة والسلام.(من تواضع لله رفعه الله).. يستحق الثناء بعد الثناء.. ومهما قلنا فيه فهو فوق ذلك بكثير.. تذكرت قول المتنبي: وقد أطال ثنائي طول لابسه     إن الثناء على التنبال تنبال.. كان مثال المخلص في كل أعماله.. يختلف عن جميع رجال الأعمال.. قابلت أحد المهندسين الذين عملوا معه لسنوات طويلة.. قال لي إن المشاريع الحكومية التي ننفذها حسب المواصفات… كنا نحمل هم قبول أبو علي للعمل أكثر من همنا لقبول الدوائر الحكومية.. لأنه كان أكثر صرامة في جودة العمل.. كان رحمه الله يقول لي.. بسبب سمعة الشركة الطيبة في تنفيذ المشاريع صارت الجهات الحكومية تكلفنا بالمشاريع المستعجلة.. وأحيانا الأسعار لا تغطي التكاليف…كان رحمه الله نعم الصديق ونعم الشريك.. المحظوظ الذي يشاركه.. أول من يشارك وآخر من يقتسم… عزاؤنا أنه في جوار ربه.. نسأل الله أن يرفع منزلته في الجنة (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)..

مقالة: الأستاذ عبدالله بن على بن يحيى – رجل الأعمال صاحب مصانع التاج.

الحمد لله رب العالمين الذي جعل لكل شيء قدراً، وجعل لكل قدر أجلاً، وجعل لكل أجل كتاباً. الحمد لله على الاخوة الصالحة والصحبة الصادقة والذكريات السعيدة والجميلة، وأحمده على كل ما هو آت. في هذا السرد البسيط أكتب عن أعز من رافقت، المرحوم بإذن الله جمعان بن مزهر الغامدي، والذي توفي رحمة الله عليه في إحدى ليالي شعبان، المرحوم بإذن الله جمعان مزهر الغامدي رجل شديد التواضع بسيط المظهر عظيم المخبر، كالغيث حيث ما حل يستبشر الناس به.. أصابنا فراقه في 26 من شهر مارس في عام 2021 عصر يوم الجمعة، وكأنما فقدناه بالأمس. رجل أعرفه منذ أربعين سنة، دائم الابتسامة لين المعشر لا يعرف الغضب. رجل له العديد من الأعمال والعلاقات ولديه ما يشغله كثيراً إلا أني طوال تلك السنوات لم أره يوماً متذمراً أو متعكر المزاج. لا أزال أتذكر أول لقاء مع المرحوم بإذن الله جمعان وكأنه لقاء حدث بالأمس. كنت أحد الحضور في افتتاح فرع شركة نيسان في منطقة جازان، في واحدة من المناسبات الصباحية، وكانت معرفتي في الأخ جمعان قليلة. كنت أنوي شراء سيارة من شركة نيسان حينها، فقام جمعان بدوره كعادته و أصر بدعوتي إلى الإفطار معهم، ثم قام بدوره مع صاحب شركة نيسان في تسهيل عملية شراء السيارة مع خصم إضافي. من المواقف التي لن أنساها له، في صباح يوم جمعة عند تمام الساعة 11، تلقيت اتصالا من المرحوم بإذن الله جمعان، سألني في تلك المكالمة قائلاً إيش صار على مشكلتك؟ حليتها؟ ” أجبته بأن الموضوع لا يزال عالق لم أتمكن من حل هذه القضية، فطلب مني مقابلته بعد صلاة الجمعة، مع العلم أني لم أخبره بمشكلتي أبداً ولم يقم أحد بإخباره على حد علمي. حينها التقيت به وتناولنا وجبة الغداء في مكتبه. لم نصلي صلاة العشاء في ذلك اليوم إلا وقد أنهى القضية. لم أتمكن من معرفة كيفية علم المرحوم بإذن الله جمعان بهذه المشكلة إلى هذا اليوم، وموقفه هذا دين علي لن أنساه له طوال حياتي، كان نعم الصديق ونعم الرفيق ونعم الأخ رجل الأعمال والإحسان كان يعمل ليل نهار لا يفنى ولا يمل، لم يتبدل ولم يتغير يوماً، رجل طيب القلب لين الطرف.

مقالة م. احمد بن محمد القنفذي الأمين العام للغرفة التجارية سابقاً المدير العام لفرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بمنطقة جازان حالياً.

الكتابة عن شخص مثل جمعان الغامدي رحمة الله عليه أمر ليس باليسير على أمثالي ومهما كتبت وسطرت لن أوفيه حقه، لقد كان أبو علي رحمه الله بالنسبة لي هو الأخ والصديق والونيس والقدوة والموجه والمستشار والملهم، بدأت معرفتي وعلاقتي به مع بداية التحاقي بالعمل أميناً عاماً للغرفة التجارية بمنطقة جازان في 13/12/2004م، وتطورت وتعاظمت هذه العلاقة يوماً بعد يوم حتى أضحى الأقرب والأحب إلى قلبي وسأتطرق هنا لبعض المواقف الراسخة في الذاكرة عن جمعان الحمراني (الإنسان، ورجل البر، القائد والموجه ورجل الأعمال)

١)كان أبو علي نعم الابن البار لوالدته رحمها الله التي توفت قبل انتقاله إلى رحمة الله بزمن غير طويل، في أحد الأيام كنت أتحدث معه عن موقف حدث بيني وبين امي ولاحظت التأثر على ملامح وجهه ثم ما لبث أن انهمرت دموعه وقال لي كلمة لم ولن أنسها ما حييت قال: يجب أن تحمد الله أن أمك ما زالت بصحة وعافية ومدركه لما حولها، واحرص على برها ورعايتها وخدمتها، أنا من حرصي على البر بالوالدة كل يوم أجلس عند رأسها وأتحدث إليها رغم أنها من سنوات طويلة طريحة الفراش وغير مدركة بمن حولها ولا تعلم من يتحدث معها ولا الموضوع الذي أتحدث فيه ومع ذلك أحرص على القيام بذلك كل يوم. قلت حينها في نفسي ما أعظم هذا الرجل وما أعظم أخلاقه وما أعظم بره بوالدته هكذا أحسبه والله حسيبنا جميعا.

٢) أبو علي كان نعم الأب المربي والقدوة لأبنائه وبناته؛ في إحدى الجلسات ذكر لي أن أحد أبنائه طلب منه شراء سيارة فارهة له بعد تخرجه من الثانوية وحددها بالاسم أسوة بأصدقائه وزملائه لكن اشتريت له سيارة عادية، ليس لشيء سوى أنني حريص على تربيته وصلاحه، وهكذا أفعل مع جميع أبنائي، حقوقهم محفوظة، وطلباتهم أقبل بها لكن بحدود حتى لا تأخذهم العزة والافتخار بالنفس ويكون تركيزهم على دراستهم وتحصيلهم العلمي ومستقبلهم الوظيفي، وبفضل الله أولا ثم بفضل تربيته رزقه الله بأبناء وبنات برره على قلب واحد وعلى خلق ودين.

٣)عندما نذكر أعمال الخير في منطقة جازان لا يمكن أن ننسى جمعان الحمراني الذي كان يبادر لمساعدة المحتاجين والفقراء ولي معه مواقف عديده جدا لا يتسع المجال لذكرها، منها عائله فقيرة جدا  أصلها من اليمن لكن لا يعرفون إلا جيزان لأنهم ساكنون فيها من أكثر من 50 سنة، الأسرة تسكن في بيت شعبي بالإيجار في حي الجبل بمدينة جيزان، وكانت قبل ذلك تسكن بجوار بيتنا القديم في شارع فيصل، البيت أشبه بالخرابة دون مبالغة، مكون من عريش وحمام فقط، تحدثت إليه عن حالتهم وألحيت عليه لزيارة منزلهم معاً، ووافق على مضض وكانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي رافقنا فيها لزيارة الأسرة الفقيرة لأنها بمجرد دخول منزلهم انهمرت دموعه وهو يشاهد حالهم ويتحدث مع المرأة المسنة وزوجها الأعمى القاطنين في هذا البيت، كنت أهدف من زيارته لمساعدة الأسرة وتوفير احتياجاتهم لكن أول ما خرجنا من المنزل قال: أبغاك ياأحمد تنسق مع صاحب البيت والبلدية لهدم هذا المنزل، لأجل بناء منزل جديد على حسابي وتأمين كافة احتياجاتهم ومتطلباتهم لتأمين حياة كريمة لهذه الأسرة الفقيره.